الأحد، 20 أبريل 2014

تأسيس الدولتين الميروفنجية والكارولنجية



بسم الله الرحمن الرحيم
ياسر عطية                          
تأسيس الدولتين الميروفنجية والكارولنجية
المملكة الميروفنجية: يعد كلوفيس المؤسس الحقيقي لدولة الفرنجة، فقد استطاع أن يوحد غاليا كلها في دولة واحدة تحت سلطته، بعد أن كانت مجزأة إلى أربع ممالك (مملكة القوط الغربيين، مملكة البرغنديين، مملكة غاليا الرومانية، مملكة الفرنجة)، فقد أنهى كلوفيس السلطة القوطية والبرغندية والرومانية في غاليا، كما تخلص من بعض زعماء الفرنجة المنافسين له، ووحّد قبائل الفرنجة المتفرقة كلها في شعب واحد تحت زعامته، واعتنق مع شعبه الديانة المسيحية على المذهب الكاثوليكي السائد في روما، في حين كانت الشعوب البربرية الأخرى قد اعتنقت المسيحية على المذهب الآريوسي. وبذلك كسب كلوفيس الكنيسة الرومانية ورجال الدين إلى جانبه، فأيدوه في مشروعاته التوسعية، وهو بالمقابل أصبح المدافع الأول عن أملاكـهم وثروات كنائسهم. مات كـلوفيس سنة 511م، فحكم بعده ملوك من أولاده وأحفاده، واستمر حكمهم حتى سنة 752م. ويمكن تقسيم تاريخ مملكة الفرنجة في عهد الدولة الميروفنجية إلى دورين:
- دور القوة والتوسع (511-639م): تألفت مملكة الفرنجة في هذا الدور من ثلاث مقاطعات كبيرة هي:
- مقاطعة أوسترازيا (شمال شرقي غاليا) ومقاطعة نوستريا (شمال غربي غاليا) ومقاطعة برغنديا (جنوب شرقي غاليا). وكانت هذه المقاطعات تتناحر فيما بينها، كما كان الصراع يدور داخل كل مقاطعة بين ملك المقاطعة من جهة، وبين كبار الإقطاعيين من جهة أخرى، وكان داغوبير بن كلوتير الثاني هو آخر ملك قوي من ملوك هذه الأسرة، وبموته سنة 639م بدأ دور الضعف والانحلال.
- دور الضعف وحكم الملوك الكسالى (639-752م): في هذا العهد تجزأت مملكة الفرنجة إلى ممالك عدة متصارعة، وضعفت السلطة الملكية كثيراً وأصبح حاجب القصر (رئيس البلاط الملكي) هو الحاكم الفعلي في كل مملكة، ونشب الصراع بين حجّاب القصور، وانتصر حاجب قصر أوسترازيا (بيبن الثاني) وأصبح السيد الوحيد في الممالك الثلاث، وبذلك لم يعد تاريخ الميروفنجيين مرتبطاً بالملوك، بل برؤساء البلاط. وفي سنة 714م توفي بيبن الثاني فخلفه ابنه شارل مارتل الذي قام بإنقاذ البلاد من الفوضى الداخلية، وحمايتها من الأخطار الخارجية التي تمثلت بغارات الشعوب المجاورة، مثل السكسون والألمان والبافار والفريز (من الشمال والغرب). أما في الجنوب فقد حارب شارل العربَ المسلمين في الأندلس وخاض معهم معركة بلاط الشهداء (بواتييه) سنة 114هـ/732م، ولما توفي سنة 741م، اقتسم ولداه كارلومان وبيبن (القصير) حجابة القصر في مملكة الفرنجة، ثم نزل كارلومان لأخيه عن الحكم، فحكم بيبن القصير البلاد وحده، ثم تخلص من الملك الميروفنجي ونصب نفسه ملكاً على البلاد سنة 751م ووافق البابا على تتويجه، لحاجته إلى مساعدته.
وبذلك انتقلت السلطة الملكية من الأسرة الميروفنجية إلى الأسرة الكارولنجية وهي أسرة حجاب القصور.
المملكة الكارولنجية: حكم بيبن القصير ملكاً من سنة 752 إلى سنة 768م، وغدت مملكة الفرنجة في عهده أعظم قوة سياسية في غربي أوربا، وزادت قوتها بتحالفها مع الكنيسة الغربية، ودفاعها عن البابوية ضد اللومبارديين. كما قام بيبن بتدعيم بلاده داخلياً وخارجياً، وامتد نفوذه خارج حدود مملكة الفرنجة. وفي سنة 768م مات بيبن القصير، فاقتسم ولداه شارلمان وكارلومان مملكة الفرنجة - وفقاً لتقاليد الفرنجة - وبعد ثلاث سنوات مات كارلومان فصار شارلمان ملكاً وحيداً على الفرنجة، وحكم حتى سنة 814م، خاض في أثنائها حروباً عديدة ضد اللومبارديين، حتى أخضعهم كلياً إلى سلطته ونفى ملكهم، وسمى نفسه ملك الفرنجة واللومبارديين، كما أخضع الشعوب العديدة المجاورة لمملكته (البافار في الغرب، والساكسون في الشمال، والفريز في الشمال الغربي) وأجبرهم جميعاً على دفع الجزية له. وكذلك خاض حروباً عدة مع العرب المسلمين في الأندلس، من أجل إخضاع شمال شرقي إسبانيا، في حين كانت علاقته جيدة مع الخلافة العباسية في بغداد، حيث تبادل مع هارون الرشيد الهدايا والسفارات، وسبب تلك العلاقة الودية بينهما هو وجود عدوين مشتركين لهما هما: الدولة البيزنطية، والأمويون في الأندلس.
وفي سنة 800م توّج شارلمان امبراطوراً على يد البابا ليون الثالث في كنيسة القديس بطرس في روما يوم عيد الميلاد، وبذلك أصبحت مملكة الفرنجة إمبراطورية عظيمة في الغرب حلت محل الامبراطورية الرومانية القديمة، وذلك بفضل جهود شارلمان.
على أن أهمية شارلمان في التاريخ ليست بسبب حروبه الطويلة أو بسبب تتويجه امبراطوراً لأول مرة بين ملوك الجرمان فحسب، بل بسبب إصلاحاته الواسعة التي تناولت مختلف المرافق والاتجاهات، حتى أدت إلى ما يعرف في التاريخ باسم النهضة الكارولنجية.
ولم تلبث امبراطورية شارلمان الواسعة أن تمزقت في عهد خلفائه؛ بسبب تمسك الفرنجة بنظرتهم القديمة إلى المُلك، وهي أن المُلك إرث يجب تقسيمه بين الأولاد، وهكذا قسمت إمبراطورية شارلمان بين أولاده ثم بين أحفاده، مما أدى إلى حروب أهلية وصراعات طويلة، استمرت حتى سنة 843م، وهنا اجتمع أولاد لويس التقي (ابن شارلمان) في مدينة فردان الفرنسية، وعقدوا فيما بينهم معاهدة دعيت «معاهدة فردان» نصّت على تقسيم الامبراطورية الفرنجية على نحوٍ يرضي الجميع، وعن هذه المعاهدة نشأت ثلاث ممالك مستقلة، متميزة بعضها من بعض باللغة والتركيب البشري، فكان ذلك بداية لمولد ثلاث دول في المستقبل القريب هي: فرنسا وإيطاليا وألمانيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق